مكافحة القرصنة البحرية: استجابة إنسانية
نجحت قواتنا المسلحة هذا الشهر وبالتنسيق مع الأسطول الخامس الأميركي باقتحام وتحرير سفينة "أريلة-1" الإماراتية التي تم الاستيلاء عليها من قبل القراصنة في منطقة بحرية واقعة شرقي عُمان في بحر العرب، حيث أُعيد الأشخاص الذين يشتبه في تورطهم في محاولة اختطاف السفينة إلى الدولة لتتم محاكمتهم. وتم إطلاق سراح البحارة الذين تحملوا الضغوط النفسية الكبيرة، التي تعرضوا لها لأيام متواصلة أثناء وقوعهم في قبضة عصابة القراصنة.
وقد أثبت هذا الحدث للعالم التزام الإمارات العربية المتحدة بإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب التي ميّزت عمليات عصابات القرصنة في تهديدها للممرات البحرية في منطقتنا، وهي الأنشطة التي تهدد مكانة دولة الإمارات في المنطقة كمركز للتجارة والأعمال، وسيخضع المشتبه بتورطهم في عملية الاختطاف للمحاكمة، الأمر الذي يجعل من الدولة واحدة من الدول القلائل في العالم التي تبذل قصارى جهدها في سبيل ملاحقة القراصنة، ولهذا، فإننا نشجع الدول كافة على تبني مسؤولياتها القضائية في أعقاب عملياتها العسكرية.
وتعكس العملية العسكرية الناجحة، التي نفذتها دولة الإمارات، حجم الاستثمارات التي قدمتها الدولة في مجال عمليات مكافحة القرصنة، حيث قدرت المنظمة الدولية للملاحة البحرية التكاليف السنوية للقرصنة بما يتراوح ما بين 9-12 مليار دولار أمريكي، من ضمنها 2 مليار دولار أميركي كنفقات الدول المساهمة في الاستجابة العسكرية الدولية على القرصنة. ويعتبر تحرير سفينة "أريلة-1"، إلى جانب العمليات الدولية الناجحة الأخرى في مكافحة القرصنة، بمثابة عائد لمثل هذا الاستثمار والذي تعم فائدته بالتالي على كافة المعنيين.
تشير تجربة تحرير السفينة "أريلة-1" إلى توجه مقلق: فقد تصاعدت أعمال القرصنة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2011، وعلى الرغم من الاستجابة الدولية العالية، إلا أن عدد الهجمات التي شنها القراصنة خلال العام الجاري قد ازدادت، ولا يقتصر نطاق هذه الهجمات على المناطق المقابلة للسواحل الصومالية فحسب، بل إنها وفي حقيقة الأمر امتدت وللمرة الأولى منذ عامين إلى منطقة جنوب شرق آسيا. كما أثار تزايد عدد الهجمات على السواحل في غرب أفريقيا قلق المراقبين أيضاً في الوقت ذاته.
كما أعرب الكثير من المراقبين عن قلقهم من أن القرصنة قد بدأت تصبح "الصناعة الإجرامية" للقرن الـ21. ونظراً لكون القرصنة هي مسألة ربحية فقد أخذت عصابات القراصنة تقوم بتطوير وتحديث نفسها، حيث أصبحت تستفيد اليوم من التقنيات المعقدة، وهي قادرة على تكييف وملاءمة إجراءاتها وأنماطها التشغيلية والتكتيكية بوتيرة سريعة تفوق قدرة القوات البحرية وقوات خفر السواحل على الاستجابة لها.
وببساطة يتوقع القراصنة بأن يكون عام 2011 الأكثر ربحاً بالنسبة إليهم.
لقد رافق تزايد الهجمات التي يشنها القراصنة ارتفاعاً مثيراً للقلق في مستويات العنف. فقد أعرب العالم أجمع عن سخطه وغضبه الشديدين في نهاية شهر فبراير الماضي لمقتل أربعة سياح أميركيين تم اختطاف مركبهم من قبل القراصنة قبالة سواحل عُمان. وعادة ما ترافق أعمال العنف هذه زيادة في معاناة أفراد أطقم البحارة والمسافرين الذين يتم احتجازهم عند اختطاف السفن. ويقبع في الأسر حالياً نحو 640 شخصاً كرهائن في الصومال من بينهم أطفال، كما أمضى بعض هؤلاء زهاء عامين في الأسر.
ويبقى سكان الصومال رغم ذلك الأكثر تأثراً ومعاناةً من القرصنة، فحالة انعدام الأمن التي يغذيها الاقتصاد الإجرامي للقراصنة المتمركزين في الصومال تهدد تخصيص المساعدات من قبل برنامج الأغذية العالمي، كما تحرم الصوماليين من الاستثمارات الموجودة للوظائف طويلة المدى، والتي من شأنها أن تؤدي إلى استقرار التنمية لكافة فئات المجتمع. كما أن هناك فئات أخرى عرضة للخطر بسبب القرصنة. وفي حال بقي تهديد القرصنة من دون معالجة فقد تنساق دول أخرى إلى اقتصاديات القرصنة بنفس الطريقة تماماً.
كما يتوجب علينا عدم السماح للمناقشات المتعلقة بتكاليف مكافحة القرصنة أن تؤدي إلى توقف البحث عن حلول مستدامة للقرصنة، كما يتوجب علينا التوصل إلى هذا الحل بالنسبة لليابسة أيضاً في الصومال، الأمر الذي قد يؤدي إلى حصول الفئات الشابة في الصومال على مستقبل مشرق وعلى سبل مستدامة للعيش كي لا ينساقوا إلى حياة الإجرام والعنف. ويعتبر هذا هو السبب وراء قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بحَثِّ المجتمع الدولي على وضع استراتيجية شاملة لدعم الحكومة في الصومال فيما يتعلق بوضع خريطة طريق سياسية وتنموية واضحة وقادرة على حفظ السلام وضمان الأمن والاستقرار لكافة السكان في الصومال. على الرغم من أن العمليات البحرية تشكل جانباً مهماً من جوانب مكافحة القرصنة، فإن مساعدة السلطات في الصومال لإعادة سيادة القانون لا تقل أهمية عن بسط الأمن في البحر.
وعلى الرغم من ذلك فإن الموارد المتاحة لمشاريع تنموية من هذا القبيل محدودة جداً، وفي حقيقة الأمر فإن الصندوق الائتماني الذي أنشأته مجموعة الاتصال الدولية الخاصة بمكافحة القرصنة –والذي تذهب 70 في المائة من أرصدته إلى مشاريع في الصومال- لن يكون قابلاً للاستمرار مالياً بعد الآن ما لم يتلقَ تمويلات إضافية عاجلة.
ويعتبر هذا الأمر السبب وراء موافقة الإمارات العربية المتحدة، وبناء على طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، على الرئاسة المشتركة مع الأمم المتحدة لاجتماع المانحين الدوليين خلال المؤتمر رفيع المستوى حول مكافحة القرصنة والذي تستضيفه دولة الإمارات الأسبوع المقبل في دبي. وسيقدم هذا التبرع فرصة تاريخية لكافة المستفيدين من دعم الجهود الدولية الجارية حالياً لمكافحة القرصنة، كما سيضمن بألا تؤثر التكاليف التي نتكبدها الآن على التزامنا طويل المدى بالتوصل إلى علاج للمشكلة. وأشارت دولة الإمارات بأنها سوف تقدم مساهمة مستدامة إلى الصندوق الائتماني، وستشجع شركائه الدوليين وقادة القطاعات ذات الصلة على فعل الشيء ذاته.
ويتوجب على المجتمع الدولي في الوقت الذي يتم فيه صياغة جداول الأعمال، أن يبقى يقظاً للتهديد المتزايد الذي تشكله القرصنة البحرية. ومن المهم جداً أن نمضي قدماً في هذه العملية، وعليه فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تتطلع خلال الشهر الجاري إلى استضافة كافة شركائها الدوليين من حكومات وقطاعات أخرى في الحرب ضد القرصنة البحرية.